إبراهيم علية السلام
قد أثبت لله نبوته ورسالته في مواطن عديدة من الكتاب العزيز،
وشهد له بأنه كان أمة قانتاًلله حنيفاً. قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ
أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ
وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةًوَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ
لَمِنْ الصَّالِحِينَ} (النحل: 120 – 122)
نسب إبراهيم:
ذكر المؤرخون نسبه واصلاً إلى سام بن نوح عليهالسلام، ونوح –
في سلسلة نسب إبراهيم- هو الأب الثاني عشر. وقد أسقط بعض
النسابينمن آبائه في سلسلة النسب (قينان)، بسبب أنه كان ساحراً.
فهو على ما يذكرون: إبراهيم "أبرام" (عليه السلام) بن تارح "وهو
آزر كما ورد في القرآن الكريم" بنناحور بن ساروغ "سروج" بن
رعو بن فالغ "فالج" بن عابر بن شالح بن قينان - الذييسقطونه
من النسب لأنه كان ساحراً - بن أرفكشاذ "أرفخشذ" بن سام بن نوح
(عليهالسلام). والله أعلم.
حياة إبراهيم عليه السلام فيفقرات:
-1 موجز حياته عند أهل التاريخ:
ذكر المؤرخون: أنه ولدبالأهواز، وقيل: ببابل - وهي مدينة في العراق -.
ويذكر أهل التوراة أنه كانمن أهل "فدّان آرام" بالعراق.
وكان أبوه نجاراً، يصنع الأصنام ويبيعها لمنيعبدها.
وبعد نضاله في الدعوة إلى التوحيد ونبذ الأصنام، وما كان من أمره
مع نمروذ بن لوش ملك العراق، وإلقائه في النار، ونجاته منها
بالمعجزة - كما قص اللهعلينا في كتابه المجيد -، انتقل إلى أور
الكلدانيين - وهي مدينة كانت قرب الشاطئالغربي للفرات - ومعه
في رحلته زوجته سارة وقد آمنت معه، وابن أخيه لوط بن هاران
بنآزر وقد آمن معه وهاجر معه، كما قال تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ
وَقَالَ إِنِّيمُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (العنكبوت 29.)
كما هاجر معه في الرحلة ثُلة من قومه الذين آمنوا معه، وأبوه آزر
دون أن يؤمن به، وأقام في أور الكلدانيين حقبةً من الزمن.
ثم رحل إلى حارانأو "حرَّان".
ثم رحل إلى أرض الكنعانيين - وهي أرض فلسطين -، وأقام في "
شكيم" وهي مدينة "نابلس".
ثم رحل إلى مصر، وكان ذلك في عهد ملوك الرعاة،وهم العماليق
- ويسميهم الرومان: "هكسوس" -، واسم فرعون مصر حينئذٍ:
- "سنان بنعلوان"، وقيل "طوليس".
وقد وهب فرعون هذا سارة زوجة إبراهيم - بعد أن عصمها
- الله منه - جاريةٌ من جواريه اسمها: "هاجر"، فوهبتها لزوجها فاستولدها.
ولما وُلِدَ له من هاجر "إسماعيل" - وكان عمره (86) سنة –
سافر بأمر منالله إلى وادي مكة، وترك عند بيت الله الحرام ولده
الصغير إسماعيل مع أمه هاجر،وعاد إلى أرض الكنعانيين.
ثم وهبه الله ولداً من زوجته سارة سماه "إسحاق"،وذلك حين صار عمره (100) سنة.
وكان يتعهد ولده إسماعيل في وادي مكة من آنإلى آخر،
وبنى مع ولده إسماعيل البيت الحرام بأمر من الله. قال الله تعالى:
{وَإِذْيَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَاتَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ
أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة: 127.)
وقد جاء في الإِصحاح الخامس والعشرين من "سفر التكوين":
أن إبراهيمتزوج بعد وفاة سارة زوجة اسمها "قطورة"، فولدت
له ستة أولاد هم: زمران ويقشان ومدانويشباق وشوحا ومديان.
وإلى مديان - هو مدين - بن إبراهيم هذا ينسب "أهلمدين" الذي
أرسل إليهم "شعيب عليه السلام".
ولما بلغ عمر إبراهيم عليهالسلام (175) سنة ختم الله حياته في
أرض فلسطين، ودفن في مدينة الخليل "حبرون وكاناسمها في
الأصل قرية أربع"، في المغارة المقام عليها الآن مقام الخليل
عليه السلام،وتعرف بمغارة الأنبياء.
واختتن وهو ابن ثمانين سنة، فعن أبي هريرة قال: قالرسول الله
صلى الله عليه وسلم: "اختتن إبراهيم النبي وهو ابن ثمانين سنة
بالقدوم". رواه البخاري ومسلم.
-2 لمحات من قصة إبراهيم عليه السلام فيالقرآن:
وقد بسط القرآن الكريم مشاهد بارزة مهمة من حياة سيدنا
إبراهيمعليه السلام في عدة سور، وأبرز ما فيها النقاط التالية:
-1بدأ حياته عليهالسلام باحتقار الأصنام، وبيان سخف
عبادتها، ثم ثورته عليها وتحطيمها، غير مكترثبما ينجم عن
عمله هذا، وتنبيه عابديها على خطئهم البالغ في عبادتها
وتعظيمها،ونشأته على ما بقي محفوظاً من ملّة نوح عليه السلام.
-2تأمّلاته في ملكوتالسماوات والأرض، وبحثه الذي دلّه
على جلال الرب وكمال صفاته وتنزه ذاته عن كل صفةمن
صفات الحدوث وعوارض النقص.
-3 توجُّهه إلى الله فاطر السماوات والأرض،وتبرؤه مما
يشرك المشركون.
-4 بلوغه منزلة النبوة والرسالة باصطفاء اللهله، واضطلاعه
بمهامها، وإنزال الصحف عليه المسماة "بصحف إبراهيم".
-5محاجّته لقومه بالبراهين والأدلة المنطقية المقنعة
والملزمة، وثباته في محاجّةِ منآتاه الله الملك في البلاد،
وارتقاؤه إلى أعلى مراتب الإِيمان بأن الله هو الذييميت ويحيي،
ويطعم ويسقي، ويمرض ويشفي، وبيده كل شيء.
-6تعرضه للعذاب منقبل قومه، وذلك بإيقاد النار له في
بنيان أعدوه لهذا الغاية، وإلقاؤه فيها، وصبرهوثباته وثقته بالله،
ثم سلامته من حرّها وضُرّها، إذ قال الله لها: {يَا نَارُكُونِي بَرْدًا
وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69( !!
-7 عزمهعلى الهجرة من أرض الشرك، وإيمان لوط به ومهاجرته معه.
-8إثبات أن اللهأنزل عليه صحفاً تسمى "صحف إبراهيم".
-9زيارته مكة، وإسكانه في واديها بعضذريته وهو
"إسماعيل". ورفع قواعد بيت الله الحرام فيها بعد سنوات من
الإسكان معولده إسماعيل عليهما السلام. وعهدُ اللهِ له ولولده
إسماعيل أن يطهرا البيتللطائفين والعاكفين والركّع السُّجود،
وأمر الله له أن يؤذِّن في الناس بالحج. ومشاهد رائعة من مواقف
التجاءاته إلى الله، ومناجاته له بالعبادة والدعاء.
-10 طلبه من الله أن يريه كيف يحيي الموتى، وذلك ليطمئن
قلبه، ويزداد يقينهبالحياة بعد الموت، إذا رأى بالمشاهدة الحسية
كيفية حدوث ذلك.
-11 أن اللهوهبه - على كبر سنه - إسماعيل وإسحاق، وخرق
العادة له بإكرامه بإسحاق من امرأتهالعجوز العاقر "سارة".
-12مجادلته الملائكة المرسلين لإِهلاك قوم لوط، لعلالله أن
يدرأ عنهم العذاب الماحق، وذلك طمعاً بأن يهتدوا ويستقيموا،
إلاَّ أن جوابالرب ناداه: {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أُوْلَئِكَ لَهُمْمَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}(هود: 11.)
-13 إكرام الله له بأن جعل فيذريته النبوة والكتاب من بعده،
- وقد كان واقع الأمر كما وعده الله، فجميع الأنبياءوالرسل من
بعده كانوا من ذريته. أما لوط عليه السلام فإنه كان معاصراً
له، على أنإبراهيم كان عمه فيمكن دخوله في عموم الذرية.
قال أبو هريرة: (تلك أمكم يابني ماء السماء(
مَهْيَمْ: كلمة استفهام، بمعنى: ما حالك، ماشأنك؟