رأينا كيف أن الأحداث ومستوى العوز والحرمان ومواطن القوة الداخلية والقدرة على التأقلم وأشكال الدعم الاجتماعية والعاطفية المتوفرة كلها عوامل يمكن أن تؤثر في انعكاسات الأحداث المثيرة للتوتر على الأطفال. فهذه العوامل يمكنها أن تزيد من أثر هذه الشدائد أو تخفف ضررها.
عوامل أخرى مثل العمر وحالة التطور والنوع الاجتماعي تؤثر بشكل مهم في الطريقة التي يفهم فيها الأطفال أوضاع الأزمات ويستجيبون لها:
للأطفال احتياجات مختلفة ومواطن قوة وضعف في المراحل المختلفة لنموهم وتطورهم وحسب جنسهم. ومن الضروري أن نفهم هذه العوامل لنستطيع توفير الدعم المناسب والفعال في الظروف الطارئة.
تطور الطفل هو عملية النمو والنضج منذ الحمل وحتى الرشد. ويجب توافر عوامل جسدية ونفسية واجتماعية محددة لتتم عملية التطور الطبيعية. وهذا يعني أيضاً أن الاحتياجات النفسية الاجتماعية تتغير وتتطور بنمو الشخص وتطوره.
يتأثر النمو والتطور بعدد من العوامل بما فيها:
• الصحة والتغذية
• مستوى الأمان في المحيط
• التحفيز الجسدي والفكري وفرص التعبير
• النوعية المحددة للتفاعلات والعلاقات مع الراشدين والأقران
• العوامل الثقافية
وبينما قد تؤثر الثقافة على العديد من أوجه الحالة النمائية، إلاّ أن هناك عوامل مشتركة تميّز مراحل التطور لكل الأطفال تقريباً. وقد لخصنا هذه المراحل تالياً:
المرحلة الأولى: من الولادة وحتى 18 شهراً
الثقة مقابل عدم الثقة
يعتمد الرضّع على الراشدين في كل احتياجاتهم، ويحتاجون إلى تطوير إحساس بالأمان يأتي من إنشاء علاقة آمنة وحاضنة مع مقدمي الرعاية الأساسيين، وهي عملية تعرف بالارتباط. ويتحقق الارتباط من خلال تخفيف مقدمي الرعاية للتوتر الذي يشعر به الرضيع نتيجة للجوع والعطش والبرد والألم، ومن خلال الاتصال الجسدي مثل الضم والهدهدة والتربيت. ولعلاقات الرضّع الأولى أهمية كبيرة في تطورهم النفسي.
في الأشهر الثمانية عشر الأولى من الحياة يتطور دماغ الرضيع بسرعة كبيرة. ويتم تشجيع وتعزيز تطور الوظائف الدماغية والحركية من خلال التحفيز البصري والسمعي المستمر، مثل الحديث مع الطفل والغناء له وتشجيعه على التحرك بحرية من خلال الحبو.
الأثر النفسي الاجتماعي لأوضاع الأزمات على الرضع: الحالة العاطفية للأم والراشدين الآخرين المحيطين بالطفل، وليس الحدث بحد ذاته، سيكون لها أثر مهم على الرضيع.
المرحلة الثانية: سنة ونصف إلى ثلاث سنوات
الاستقلالية مقابل الشعور بالخجل
يستمر تطور الدماغ ويبدأ نشوء العمليات الفكرية الأساسية من خلال حواس اللمس والبصر والشم والسمع خلال هذه الفترة. ومن المهم أن يطوّر الأطفال شعوراً بالقدرة على القيام ببعض الأمور بأنفسهم. أما الخطوة النفسية والجسدية الأهم في هذا العمر، فهي الانفصال التدريجي عن الأم، حيث يبدأ الطفل باللعب بشكل مستقل وحده ومع الآخرين، ويشمل هذا لعبة الخيال (وهي ممارسة للمهارات الاجتماعية). كما تبدأ اللغة بالتطور ومعها يتطور مفهوم "أنا" واستخدامها. وفي هذا العمر أيضاً، يطور الأطفال أيضا تحكماً متزايداً على الوظائف الجسدية.
الأثر النفسي الاجتماعي لأوضاع الأزمات على الأطفال في هذا العمر: يستمر الأثر الكبير للحالة النفسية للأم والراشدين الآخرين على الأطفال، ولكن نشوء معرفتهم بالخطر – كما يعبّر عنه الراشدون والأطفال الكبار – سيمنحهم أيضاً إحساساً بالخوف والقلق.
المرحلة الثالثة: الطفولة المبكرة (3- 6 سنوات)
المبادرة مقابل الذنب
في هذه المرحلة، يعتمد الأطفال كثيراً على الراشدين وعالمهم الخارجي لتوفير التجارب التي تحفز تطورهم. وهم بحاجة للثقة لاختبار حدود الحرية الفردية والمسؤولية الجماعية، والخيال والواقع، والأمور الجيدة والمسموحات. وفي هذه المرحلة أيضاً تصبح المهارات الفكرية واللغة أكثر تعقيداً، ويبدأ الأطفال بفهم الواقع الاجتماعي لعالمهم وقبوله.
الأثر النفسي الاجتماعي لأوضاع الأزمات في الطفولة المبكرة: يدرك الأطفال أن هناك "مشاكل" ولكنهم لا يستطيعون فهم طبيعتها ومعناها بالكامل. ويمكن للأحداث المثيرة للتوتر أن تعرقل التطور الفكري أو العاطفي، وينعكس هذا الأثر على سلوك الأطفال ولعبهم، فقد يصبحون انسحابيين أو متشبثين بأهلهم أو عدوانيين.
المرحلة الرابعة: الطفولة المتوسطة (6- 12 سنة)
تتميز هذه الفترة بالتطور السريع ونضج قدرة الأطفال على التفكير والفهم وإدراك مشاعرهم وإدارتها والقيام بأمورهم بأنفسهم. ويحتاج الأطفال في هذه المرحلة إلى التعاطي مع أشخاص غير أفراد أسرهم – وخاصة في المدرسة – وتعلم التفاوض مع العالم خارج البيت. وبهذه التجارب يتعلمون التماهي مع مجموعات أوسع من وحدة الأسرة وتطوير المهارات الأكاديمية الأساسية.
الأثر النفسي الاجتماعي لأوضاع الأزمات في الطفولة المتوسطة: بينما تكون قدرتهم على فهم الأحداث والمعاني مفيدة للبعض في هذه المرحلة، إلاّ أنه الأطفال في هذه المرحلة قد يملكون إدراكاً عالياً بنقاط ضعفهم. ولهذا السبب فقد يكونون أكثر خوفاً من الأطفال الأصغر سناً. ومن المفيد في هذا الأمر التأكيد على التبادل الدائم للمعلومات الصادقة عن الوضع ومساعدة الأطفال في فهم هذه الأحداث. وجدير بالذكر أن الأطفال في هذه المرحلة – وخاصة الأطفال دون العاشرة – يلجأون كثيراً إلى استخدام لعبة الخيال التي يسيطرون فيها على الأحداث والنتائج.
المرحلة الخامسة: المراهقة (13- 18 سنة)
الهوية مقابل الارتباك
من المهم أن نلفت أن "المراهقة" ليست مفهوماً معترفاً به عالمياً. ففي بعض الثقافات، ليس هناك كلمة للفترة ما بين الطفولة والرشد والتي يمكن أن تكون قصيرة جداً. لكن سواء اعتُرف بها في تلك الثقافة أم لا، فإن المرحلة ما بين 12 أو 13 سنة إلى 18 سنة تتميز بتغييرات فسيولوجية وعاطفية واجتماعية مهمة للطفل النامي.
إنها فترة للنمو الجسدي السريع المصحوب بالتغييرات في المظهر والوصول الى البلوغ والتطور السريع للأحاسيس الجنسية وبداية دورة التكاثر.
وتتطلب هذه الفترة الانتقالية إلى الرشد أن يؤسس اليافعون بقوة هويتهم الاجتماعية والعملية. وغالباً ما تترافق هذه المرحلة الأخيرة من عملية بناء الهوية الشخصية بارتباك وقلق حول أسئلة مثل "من أنا وماذا أكون، ما الذي أؤمن به وما الذي لا أؤمن به، ما الذي أريد أن أفعله، ما الذي أستطيع أن أفعله." وغالباً ما تدفع هذه العملية اليافعين إلى تأسيس هويته بالمقارنة مع هوية الأهل والمجتمع أو حتى بالتضاد معها لأنهم بحاجة للشعور بالسيطرة على الأمور وتطوير أفكارهم الخاصة، وهو أمر كثيراً يؤدي إلى صراعات داخل الأسرة.
يسعى اليافعون لرفقة أقرانهم، ويحصلون على إحساس بالتسرية والدعم من الحديث عن نفس الارتباك والسعي والقلق بشأن تعريف الهوية بوضوح ومن ثم العيش حسب مقاييسها. وهذا يخلق "هوية المجموعة" لدى اليافعين. واليافعون شديدو التأثر بضغط الأقران والشلة، ويقبلون التحديات الخطرة ويقومون بالسلوك الخطر. وقد يسعون للحصول على شركاء جنسيين ليس فقط لإشباع حاجاتهم الجنسية القوية بل لأنهم يتطلعون للحميمية والقرب والحنان الذي وفرته لهم الأسرة في مرحلة ما من طفولتهم.
الآثار النفسية الاجتماعية لأوضاع الأزمات على اليافعين: عادة ما يكون اليافعون متوترين وقلقين للغاية قي أوضاع الأزمات المزمنة عندما تختفي فرص اكتساب المهارات وسبل الحصول على الرزق تقريباً، وعندما يتم انتهاك القيم والثقة والاحترام والطيبة حولهم – عادة من قبل قدواتهم العليا السابقين (الأهل أو زعماء الحي على سبيل المثال) – فإن بحثهم عن الهوية والانتماء قد يقودهم إلى الانضمام للمجموعات المسلحة أو المنحرفة في غياب فرص أكثر إيجابية.
كما أن اليافعات أكثر عرضة لخطر الإساءة الجنسية أو الاستغلال. وليست حالات مبادلة الجنس بحاجات البقاء على قيد الحياة (لهن) أو لأسرهن بالأمر الغريب في أوضاع الأزمات.
وبالملخص، فإن لتفكك القيم والقدوة العليا وفرص بناء المهارات الذي غالباً ما يصاحب النزاع المسلح (سواء كان عرقياً أو دينياً أو سياسياً) طويل الأمد في الغالب أكثر الآثار خطورة على اليافعين.